الحرية لسجين الرأي حنفي ولد دهاه

الأسبوع الثاني.. حتى ولو كان الدهر كله فأنت الأقوى يا حنفي

الأحد، 23 أغسطس 2009

محاكمة حنفي، وواقع الحرب المستمرة على الإعلام الحر


عبد الفتاح ولد اعبيدن مدير يومية "الأقصى"
تؤكد محاكمة الزميل حنفي وحكمها الصادر طبيعة التوجه الراهن، المتمثل في مواجهة الإعلام الموريتاني المستقل بأعتى صور التعويق والحرب، حيث مازالت سهولة الإدانة والزج داخل عتمة السجون، تشكل الطريقة المثلى في نظر الجهات المعنية للتعامل مع الكلمة الحرة!!!.
ستة أشهر وغرامة ثلاثين ألف أوقية، ومن قبلها سنة نافذة في حقي وغرامة ثلاثمائة مليون أوقية، هذا هو الدعم السخي والتشجيع الذين يقدمونه لصاحبة الجلالة في موريتانيا.
إذن، مازال الحال على حاله كما يقال، ومازالت النظرة النمطية للإعلام الحر في مستوى التناقض والعداء، وليس التعايش والرفق والتعاون الإيجابي، وإن جاء الحكم الأخير ضد الزميل حنفي ولد إدهاه أقل قسوة، رغم بعده عن قانون الصحافة، ومحاربة أصحاب الأقلام من زاوية أخرى أكثر غموضا ومطاطية "المساس بالأخلاق الحسنة".
وفي إنتظار إنحسار هذا التوجه السلبي ضد الأداء الصحفي المسالم الجاد.
أقول إن الأمة التي تحارب الكتاب وتشجع الانقلابات وتبارك تزوير الانتخابات وتسكت على المساس الفعلي من مصالحها في الجوهر والعمق، لن تفلح في التغيير، على الأقل، في الوقت القريب المنظور، ومن يكتب من المخالفين للرأي المهيمن "الإنقلاب، تزوير، تلاعب مستمر بما وجد من المال العام".
إنما يكتب قصد التجسيد السلمي التدريجي للتغيير المنشود، ونحن صابرون على كلفة الحق مهما تنوعت ضروب هذه الحرب المشينة الساقطة، ولن تنال من عزائمنا إن شاء الله، والله نسأل لزميلنا الصبر والثبات وندعو كافة الزملاء والإعلاميين –داخليا وخارجيا- إلى بذل جهد مضاعف للإطلاق الفوري لسراح الزميل المعتقل المظلوم حنفي قرب الله فرجه، آمين.
إنه الفساد الحقيقي والتلاعب المكشوف بالحكم العمومي وما ترتب عليه من مقدرات ومعاني واسعة متنوعة، تؤثر على كل ساكنة هذا البلد، وفي المقابل يسارعون إلى التكبيل المستمر للصحفيين، وتوريتهم خلف القضبان. الداكنة الموحشة، وسط جو من الأغلال والقيود المعنوية والمادية لا يكاد ينتهي، إلا ليبدأ من جديد.
إنها فعلا مأساة القلم والفكرة والأمل في وطننا العربي الكبير، أو على الأصح سجننا العربي الكبير.
ولكن الليل مهما طال ظلامه سينجلي إلى فجر جديد قطعا بإذن الله.
ومن الملاحظ أن اقتصار الصحفيين على الاستنكار النظري عبر بيانات وكتابات فحسب، مهما كانت أهميته، لا يكفي من ديون الاحتجاج السلمي الصريح المباشر، عبر وقفات منظمة متواصلة، بغية إيصال الصوت الصحفي الحر، الرافض للخنوع والقيد والسجن والتغريم والظلم المتصاعد المزمن المؤلم.
خمس سنوات من المواجهة، بين طلاب الديمقراطية الحقيقيين، ودعاة التغيير والتنوير السلمي عن طريق الكلمة الحرة المقدسة، وخمس سنوات في المقابل من رفض الإذعان لصوت الحق والمنطق الحضاري المتميز.
حيث أن ما تم من عراك وشكاوى منذ دجمبر 2005، ضد جريدة "الأقصى"، وما هو متواصل ضدها من أذى معنوي وحصار ملموس مضن، كله داخل في سياق هذا الصراع السلبي الطبيعي بين الحق والباطل، وما معاناة الزملاء في موقع "تقدمي" ممثلة بشكل خاص في إعتقال مديرهم السيد حنفي ولد إدهاه، إلا جزءا معتبرا من هذه الحرب الممنهجة ضد الصحافة المستقلة في موريتانيا.
والله نرجو أن يفك العقول والنفوس من هذه المواجهة العقيمة، فنحن لن نسكت عن ما نراه حقا يستحق المساءلة والبحث والتمحيص، والجهات المعنية ينبغي أن تصبر وتجتهد من أجل الابتعاد عن الظلم وتحميل قضايا النشر ما لا تحتمل، فتفسير جميع متاعب شخص أو حزب أو مؤسسة بمجرد حرف كتب أمر لا يستساغ ويدل على تأزم عميق في العلاقة مع الكتابة الصحفية.
ثم إن حبس الصحفيين إثر نشر صادر في منبر إعلامي مأذون يجسد إستمرار هذه الظاهرة المعوقة للفكر الحر المستنير، ويدعو إلى تجديد المطالبة بإلغاء حبس الصحفيين بعد مزاولتهم لمهامهم المشرفة الأخلاقية.
ومن جهة ثانية المحاكمة وفق مواد قانونية خارجة عن القانون المختص "قانون الصحافة"، يدل على الإستهزاء العملي المتعمد بهذا القانون، الذي لم يرسم ليكون أوراق ميتة لا مفعول لها، رغم النواقص والشوائب الكثيرة، والتي من أظهرها إقراره عقوبة الحبس في حق الناشر.
ومما يحسن التوقف عنده في هذا المعنى المثبط لهمم الإعلاميين مفهوم تكريس المواجهة، بدل التعاون أو التشجيع، فهذا المسار العقابي -لو وضعنا في الحسبان معه- واقع الصحافة المالي والتنظيمي والتكويني فإنه يدل على إحتمال غياب الكثير من الصحف والصحفيين من مسرح الأداء والممانعة. لأن كل المؤشرات تقريبا، تؤكد أن الدولة -خصوصا الجهات التنفيذية والقضائية-مع تناغم بعض رجال الأعمال مع هذا التوجه السلبي تتجه إلى المزيد من الحصار المانع لوجود صحافة جادة، وإن كان لزاما أن توجد، فلتبقى –ولو كانت مؤيدة متزلفة- في حاجة شديدة للمال، وخائفة مترقبة من المصير الموعود المجهول!!!.
وفي النهاية سيكون من الصعب، تكريس واقع إعلامي مستقل في الموقف والتمويل والتوجه، إلا مع شق الأنفس وتكلف السباحة الخطيرة، ضد التيار الجارف المستأصل.
وعلى العموم سيبقى أيضا، مهما إشتدت الهجمة، أفراد –ولو قلة-صابرون متطلعون، صوب الهدف السامق الصعب، تحرير العقول والنفوس. وبالتالي الأقلام وهي السلاح الأول للتغيير-من الخوف والتبعية إن شاء الله.
وسيكون من الضروري بذل جهد حقيقي للوقوف على حقيقة ما يجري من تصعيد ضد الصحفيين-لمجرد كتاباتهم-، لأن الأمر يستبطن مباركة لمنهج العداء والمواجهة، بدل التكامل والتعايش، ويشرع الدكتاتورية والإستبداد وأحادية الرأي في أعلى تجلياتها، ويجعل ما يدعي من قوانين تحمي الإعلام والكلمة الحرة فخا فحسب، للإيقاع بهواة الحرية في أتون السجون والمآزق المتواصلة المتوالدة.
ونأمل أن تصدر الأحكام يوما لصالح الحق وأمل التغيير السلمي نحو الأحسن، بعيدا عن الجو العام السائد في ربوع بلدنا وإفريقيا عموما والوطن العربي خصوصا.
وإن إستمر هذا التجاهل والتحامل، فستفضي هذه الأوضاع القاسية الثقيلة الراهنة إلى مستويات قد لا تحمد عقباها على واقع الحرية، وما تحقق من هامش إعلامي محارب بإستمرار، في صور الإدانة وسجن الصحفيين، وقتل مشاريعهم الإعلامية، وتحزين محيطهم الأسري، ووقف الطموح نحو إعلام حر جاد مستقل فعلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق