الحرية لسجين الرأي حنفي ولد دهاه

الأسبوع الثاني.. حتى ولو كان الدهر كله فأنت الأقوى يا حنفي

الخميس، 27 أغسطس 2009

حنفي ولد دهاه... أنت الحر الطليق / اعل الشيخ احمد الطلبة

السجن امتياز للمبدعين ولا يمكن أن يدخله إلا الذين ناضلوا وقاوموا وبرهنوا على قدرة البوح بالحقيقة في دائرة السلطة من أمثال حنفي ولد دهاه. السلطة التي تحاول دائما فرض حقيقتها الخاصة والعمل على ترويض جميع الوسائل المتاحة لذلك، فالبناء النسقي للدولة القمعية الحديثة في موريتانيا لا يسمح بأي هامش من الحرية للتعبير ولا يسمح للمثقفين العضويين أن يتكلموا أو أن يبوحوا، فالبوح جريمة في أرض يراد لأهلها أن يخرسوا للأبد.

بالنسبة لي، إن تهمة حنفي هي أنه أمتلك قلما وفكرة وإرادة للتغيير. ليس حنفي هو أول من لفقت له هذه التهمة النبيلة ولن يكون الأخير. فهذا أحمد مطر في لافتاته يشكوا من ألم القلم و يواجه نفس التهم حين يقول:

حبس الطبيب خافقي
وقال لي:
هل ها هنا الألم ؟
قلت له نعم
فشق بالمشرط جيب معطفي
وأخرج القلم !
**
هز الطبيب رأسه.. ومال وأبتسم
وقال لي:
ليس سوى قلم
فقلت: لا يا سيدي
هذا يد.. وفم
رصاصة.. ودم
وتهمة سافرة.. تمشي بلا قدم

أصبر يا أخي حنفي فأنت على الطريق الصحيح ولن يكون باستطاعة أي سلطة أن تقهرك ولا أن تمنع صوتك وكتابتك وأفكارك أن تنور طريق الموريتانيين، ستظل عباراتك و مقالاتك رماحا في نحور الشرذمة و الزمرة المتواطئة. كلما حاولوا منعك والتضييق عليك كلما تحول كل مثقف إلي حنفي ولد دهاه. أخي أنت الحر الطليق ونحن السجناء. أنت حر بمواقفك الرجولية وثباتك على مبادئك و قناعاتك.

سأعود إلي عبارة -المثقف العضوي – الذي أعتقد انه الوصف المناسب للزميل حنفي، هذه العبارة التي أطلقها المثقف الإيطالي أنتونيوا كرامشي في بداية القرن العشرين على كل مثقف يستمد أفكاره من داخل المجتمع ويحاول الدفاع والتعبير عن أفكار وطموحات وآمال الطبقة المهمشة والمحرومة.

إذن حنفي هو ذلك المثقف الذي لم يرد إفسادا ولا علوا في الأرض وإنما أراد أن يجعل هموم الوطن مثل الرغيف اليومي والخبز في الصباح، أراد لكل موريتاني وموريتانية أن يقرأ عن وطنه، أراد أن يهدي ويمنح للمهمشين بصيرة و قدرة على الكلام والتعبير، بل كان معلما لفن فضح كواليس الحكومة التي لا تخدم مصالح شعبها. فلماذا كلما أردنا الإصلاح أصبحنا مجرمين في نظر السلطة؟ لماذا يمنع الكلام والفهم على بعض الناس ليصبح سلعة مدعومة لآخرين؟ ألا يجوز أن نسمع من هو ضدنا؟ هل يحق أن نلوم ونحاكم الآخرين على الكتابة عنا ؟ أليس من الحري أن لانفعل ما يمكن أن نلام عليه ؟

قد يكون حنفي مثقفا علمانيا بمفهوم ادوارد سعيد أو مثقفا ثائرا حسب كاياتري سبيفك، لكن سبب اختياري لعبارة كرامشي هو ما بدى لي من أوجه التشابه بينه وبين حنفي من حيث طريقة الكتابة والأسلوب وحتى تجربة السجن بسبب شكاية أحد السياسيين. سوف لن أستفيض في ذكر التاريخ السياسي لكرامشي فهو معروف. لكن ما ليس معروف بالنسبة لكثير من الناس هو الأسس الفكرية التي بنا عليها هذا المفكر فلسفته في رسائله التي كان يهربها من السجن. فهو من نحت عبارة –الهيمنة الثقافية- التي تعني فيما تعنيه أن تسيطر ثقافة المحسوبية والزبونية والموالاة والتواطئ و التكالب على السلطة على حساب الشفافية وحرية التعبير والمساواة و الأمان.

أخي العزيز، إن تجربة السجن فريدة من نوعها فهي أنجع وأجمل طريقة للتصالح مع الذات، السجن هو أفضل فضاء للتفكير كما تقول الكاتبة نوال السعداوي بأن : -أي كاتب أو مبدع أو مثقف لابد له من النزول في السجن ليكتسب صوته ويجد ذاته الضائعة و يعيد ترتيب الصور المتراكمة في ذهنه ليخرج نفسه من حالة الضياع الفكري-.

أنت لاتستحق السجن، بل كان من المفروض أن تمنح وسام الجمهورية للشجاعة والإبداع و التنوير. كانت كتاباتك أشبه بتدوين للتاريخ السياسي لموريتانيا المعاصرة من وجهة نظر الشباب. لا تحزن لأن القوم لم يفهموا قصدك . هناك كثر يفهمون ويقدرون لك كل مجهود ويشهدون لك بالإبداع والموضوعية والوطنية بين يدي التاريخ.

اليوم موريتانيا للأسف لا تزال في ظل و حماية الشيوخ ومجموعة من المتوسلين لزعماء القبيلة والمدافعين عن أفكار لا تتماشى مع المرحلة الحرجة والمنعطف التاريخي الذي تمر به موريتانيا، ولكن غدا سيزول الرعيل القديم ويندثر الحرس القديم تحت جنادل الأقلام. غدا عندما نفرض أنفسنا، بل عندما تصبح موريتانيا ملكا لأبنائها ستكرم وسيكرم كل الذين ضحوا بأيامهم ولياليهم و أوقاتهم وأقلامهم لخدمة هذا الوطن الغالي النبيل الذي يعترف لك بكل شيء على الرغم من محاولة البعض تكميم الأفواه وصم الآذان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق