الحرية لسجين الرأي حنفي ولد دهاه

الأسبوع الثاني.. حتى ولو كان الدهر كله فأنت الأقوى يا حنفي

السبت، 22 أغسطس 2009

لماذا تتمنون إطلاق سراح حنفي !؟/ سيدي علي بلعمش

الحكم بالسجن ستة أشهر على حنفي كان عادلا من بعض "الزوايا" و غير عادل من "بعضها" ... كان عادلا "سيلوجيسميا" لأننا في بلد يسجن فيه الأبرياء و يطلق سراح المجرمين و حنفي بريء ، فمكانه السجن إذن..

كان عادلا "ديمقراطيا" لأن الشعب الموريتاني اختار أن يعيش ذليلا و لم يفوضه لرفع الظلم عنه و لا للتحدث باسمه عن آلامه و آماله..
كان عادلا لأن القضاء وحده هو من يحدد المجرم من البريء ، و من حق السلطة (في غياب القضاء) أن تعتقل من فضح جرائم المفسدين (مع وقف التنفيذ) في انتظار أن يكون في بلادنا المختطفة قضاء ينطق بالحكم الفصل..
كان عادلا لأن الرجل اختار أن يقف في وجه السلطة و هذا مكان من يقف في وجهها في هذا البلد البائس ..
كان عادلا لأن حنفي نفسه قال إنه لا يرغب في العيش في بلد تحكمه الجزمات العسكرية و من حقه أن يعيش في منفاه الاختياري.. بل ليس من حق القضاء المؤتمن على حقوقنا أن يخرجه منه بعد ستة أشهر من دون أي إدانة ؟
كان عادلا لأن أكبر سجن لرجل ثائر يرفض استباحة الإنسان هو تركه يتعذب في شارع لا تمَّحي لوحة بؤس فيه إلا لتحل محلها أخرى ..
كان عادلا لأن العدل غائب في هذا البلد و لا توجد جريمة من دون مادة قانونية تنص عليها .. و لا مادة تمنع سجن بريء بلا قضية .. و لا "مادة" يدافع بها بريء عن نفسه ..
كان عادلا لأن العدالة عندنا من صنع الإنسان و التاريخ يصنعه الأقوياء و الوقائع يكتبها المنافقون ..
كان عادلا و نزيها و شفافا لأن قرار سجنه كان مرتبطا بنزاهة نتيجة الانتخابات المحسومة سلفا (فاسدا) و شفافيتها المحسومة خلفا (أفسد)..
كان عادلا لأن حساب مدة اغتصاب حريته عملية فلكية معقدة ترتبط باتجاه الريح و حالة الطقس و طبيعة الحكم و مزاج الحاكم و توجه المعارضة و مستوى الضغوط الدولية و اهتمامات الصحافة المحلية و معدل نسبة الأمطار لهذا الخريف و كانت كلها ضده ...
لكن ما حيرني في الحقيقة هو ضآلة أتعاب القضاء (21000) أوقية في هذه العملية الضخمة التي تطلبت حدود الثلاثة أشهر من الحسابات و التحضيرات و التكييف و التحريف والتصنيف و التزييف و التجريف و التسويف، مما يعني أن قضاءنا المبجل (و قدرنا العاثر) كان يتسلى بهذه القصة و هو ما يؤكده الحكم في بعض أوجهه: فمن المضحك جدا و من المسلي بكل تأكيد أن يقبض على حنفي بدعوى شكوى من طرف صار إبراهيما .. و يحقق معه على خلفية التحريض على التمرد و العصيان .. و تتم إدانته بجنحة المساس بالأخلاق الحسنة، تماما مثل الأعمى الذي يحفر في مكان و يبصق في مكان أخر و يردم مكانا ثالثا ؟
أليس في ما قامت به المحكمة هنا استغلال سيئ للقانون في حق صارـ الذي "ألعبوه" دور ثور التلقيح في هذه القصة ـ أكثر بكثير مما يتهمون حنفي بارتكابه في حقه؟
أليس من الغريب أن يتجاوز القانون هنا من ارتكبوا أفعالا تمس ب"الأخلاق الحسنة" (و هو تعبير غير قانوني في كل الأحوال) إلى من فضحها و صرخ بأعلى صوته استنكارا لها؟
لكن الحكم على حنفي لم يكن عادلا لأكثر من ذلك بكثير :
كان غير عادل لأن ستة أشهر نصف عام و حكم ولد عبد العزيز 5 سنين و هذا يعني كاريكاتيريا أن حنفي يعارض ولد عبد العزيز بنسبة 1/12 و هذا هو أكبر تجني من القضاء الموريتاني في حق حنفي الذي رسم خطته العشرية في مواجهة ولد عبد العزيز (المتشبث بنهج سلفه الصالح معاوية).
ـ كان غير عادل لأن ستة أشهر لا تكفي لكتابة ما يحدث في السجن إذا كان منشأة إصلاحية كما تدعي السلطة و لا ما يحدث خارجه إذا كان منشأة عقابية كما تفعل ..
كان الحكم على حنفي غير عادل لأن المساس بالأخلاق الحميدة ظل منذ زمن بعيد على رأس البطولات الوطنية، يتم تعيين الكوادر السامية على أساسه و تعين الحكومات لرسم خطط تحكمه : فمن قبلنا أسقط رئيسا لأنه بنى مسجدا في الرئاسة ؟ من قبلنا عير رئيسا بالعجز و قلة الحيلة لأنه كان صادقا ؟ من قبلنا عير رئيسا بالضعف لأنه كان رحيما بالناس ، حريصا على عدم إيذائهم ؟ من قبلنا أغرق جبلا من الصدق ببحر من الأكاذيب و جلس يحاكم الناس على المساس بالأخلاق الحسنة؟ أم أنكم تدينونه بتهمة ملامسة الأخلاق الحسنة بمعنى الاقتراب منها؟
لكن لماذا تبررون سجن حنفي و أنتم تسجنون وطنا كاملا بلا مبرر؟
لماذا تكيفون الحالات القانونية و أنتم في حل من القانون؟
كيف تغتصبون أرضا كاملة بلا خجل و لا وجل و تستحون من اغتصاب حنفي ؟ كم أنتم عادلون و منطقيون ؟
لقد سجن حنفي لأن محسن ولد الحاج وعد بها قبل نتيجة الانتخابات الشفافة .. لأن ولد عبد العزيز يريدها .. لأن قضاءنا لا يحكم إلا بمزاج السلطة و لا يقض البصر إلا بأمر منها : المضحك المبكي أن القضاة حين يصدر مثل هذا الكلام من سفيه مثلي يجهل القانون، يقولون إنه تطاول على القضاء و أساء إلى سمعة القضاة و يجب سجنه ؟
نحن نتمنى أن يشنق في الشارع كل من يسيء إلى القضاء أو يمس من سمعته لكننا نحتاج إلى قضاء نتحاكم إليه لنعرف هل من يصدرون الأحكام الجائرة على مزاج السلطة هم من يسيئون إلى القضاء أم من يأسفون على حدوث ذلك ؟
ما هذه المحاكم إلا مفوضيات شرطة في أسوأ ما يمكن أن تكون و قد تستطيعون إكراهنا على ما هو أكبر من السجن لكنكم مخطئون و ضعفاء حد الشفقة، إذا كنتم تعتقدون أنكم تستطيعون ـ مهما فعلتهم ـ أن تجعلونا نؤمن بعدالة الظلم.. و هيبة السخافة ..
ليس حرا و لا نبيلا و لا شهما و لا كريما من تستبيح أرضه عصابة نعرف تاريخ انحرافها واحدا واحدا و لا يدخل السجن.
أنا لم و لن أذهب إلى حنفي في سجنه ما لم يصدر أمر قضائي آخر بسجني (أعرف جيدا أنه يبحث الآن عن صاره و أن تقاريره السرية قد اكتملت و أن تكييف أحكامه و تفسيرها الفقهي معد سلفا) لأنني أرفض أن أحول السجن ـ كما يريدون ـ إلى مناسبة اجتماعية سعيدة و عادية نتبادل فيها الزيارات..
لأنهم مخطئون إذا كانوا يعتقدون أننا سنتعظ من سجن حنفي ..
و لم أذهب في يوم من الأيام لحضور "محاكمته" و لن أذهب إليها لأنني لن أذهب إلى مفوضية شرطة لحضور محاكمة: لن تجعلونا جزءا من مسرحياتكم السخيفة.
و لن أذرف دمعة حزن عليه إذا شنقوه، لأنني أرفض أن أساهم في تشويه أعظم لحظة و أعظم نتيجة يمكن أن يستحقها الإنسان.
أنا لست ممن يتمنون إطلاق سراح حنفي في هذا المناخ الموبوء لأنه من الأفضل لرجل لا يتعايش مع الظلم و القهر مثله أن يكون في السجن في ظروف بالغة الاستثنائية، مكشرة عن أنياب وقاحتها، كهذه.
ـ لست ممن يتمنون إطلاق سراحه لأنه من العار علينا أن تستباح أرضنا و أعراضنا و تستفز مشاعرنا و لا يكون من بيننا قتيل و لا سجين و لا متهم في ولائه..
لست ممن يتمنون إطلاق سراحه لأنه على أرض المليون جبان أن تفهم أن السجن شرف عظيم.. و أن الحرية استحقاق لا ينال من دون دفع ثمنه ..
لست ممن يتمنون إطلاق سراح حنفي لأنني لا أرى فرقا بين سجنه و سجن أي منا سوى أنه استحق فضلا ما زالت الأقدار تضن علينا به..
لست ممن يتمنون إطلاق سراحه لأن سجننا ليس أفضل حالا و لا أرغد عيشا و لا أقرب إلى الله..
لست ممن يتمنون إطلاق سراحه لأنه لن يدخل إلا سجنا أفظع إذا خرج من سجنه.

هناك تعليق واحد:

  1. هذا أجمل ما يمكن كتابته في هذا الخصوص : لقد نقل لنا ولد بلعمش في هذا المقال المشهد من كل جوانبه برشاقة أسلوبه المعهودة و بلاغة عباراته المشبعة المعاني.
    هذا مقال جميل

    ردحذف