الحرية لسجين الرأي حنفي ولد دهاه

الأسبوع الثاني.. حتى ولو كان الدهر كله فأنت الأقوى يا حنفي

الجمعة، 19 يونيو 2009

من أجل ضمان شفافية في ممارسة الحكم!

لقد تجرع هذا البلد أكثر من غيره مُرّ الديكتاتورية وصَابَها، ونَقَفَ، كما لم يَنقُف غيره، حنظل العُتِي والاستبداد، وتكسرت فيه نصال الظلم على نصال: فمن البلاد السائبة التي يصول "حسانُها" على سوائم الأبل في مسارح "الزوايا" العُزّل.. ويغتصب فيها الإنسان حرية الإنسان، فيسومه ذل «الاسترقاق" وضيمَه.. وتتفاوت فيها الطبقات، رفعة وضَعة، على أساس نسب طيني واهم، فيمتهن صاحب الحرفة، الذي يخدم المجتمع بسبب عمله اليدوي.. ويمارس العنف الجسدي في حق الطفل البريئ المسكين.. وينظر فيه للمرأة على أنها مجرد "عمامة" أو "نعل".. ويجعل من "فارق السن" مبررا للاحتقار والاضطهاد.
.. إلى دولة يحتكر فيها الرئيس السلطة المطلقة: إن أمر تبادروا لأمره، وإن تكلم أنصتوا وكأنما على رؤوسهم الطير، وإن نهى هز الواجمون بحضرته رؤوسهم طولا.. يُنِير ويُسدِي في مصالحنا كما يشاء.. ويمارس كما يشاء وصايته على عقولنا وقلوبنا، وعلى طموحنا الحالم للبلاد. فلم يسلم من امتهان كرامتنا مدني ذو حزب واحد، ولا عسكري يخفي بمسحةِ ديمقراطية شوهاء "لؤم" ديكتاتورية تحت الثياب.!
.. ودار الزمن دوراته.. وتنوعت أساليب الطغيان والجبروت، ثم أتى الله بأبطال الثالث من أغسطس، ليُنقذوا البلد من براثن عسكري عجوز يتشبث بالسلطة، و من تهور شباب، عسكريين، يتعطشون إليها.. وأنجزوا ما أنجزوه مما يستحقون عليه الإكبار، رغم ما يتخلله أحيانا من نواقص، وما يكدره من أخطاء. وقد ظل الشك يساورنا في جدية قادتنا الجدد في الوفاء بوعودهم، إلى أن أعطت الانتخابات الأخيرة البرهان على الشفافية وحياد الإدارة.
وهي الانتخابات التي استخلصنا منها دروسا ينبغي الاعتبار بها من أجل حماية الديمقراطية الوليدة، التي لا تزال تُلف في قموط مهدها، والتي طالما ناضلنا من أجلها، أيامَ كانت منا مناطَ الثريا، وأبعد..!.. والتي لن تتحقق من دونها حرية ولا مساواة ولا تنمية.. ولن يرتفع بغيرها الحيف الاجتماعي والاقتصادي، الذي ظل لعنة الصحراء الأبدية: لقد برهن المواطن الموريتاني البسيط، مع أول فرصة ديمقراطية جادة ( رغم ما يمكن أن يقال عن تمريضها) عن مدى وعيه ونضجه السياسي الذي يستحق الإشادة، فقد رفض هيمنة حزب ( أو شخص فاغلبها أحزاب أشخاص).. وهو نقيض ما يستشف من توجهات النخبة من مثقفين و"تجار".
لقد أرادها المواطنون "جمعية عامة" مبعثرة بين أيدِ عدة، تختلف توجهاتها السياسية، ومنازعها ومداركها الفكرية.. تماما كما يقع في برلمانات الدول المتقدمة.
فلم يحظ المستقلون، رغم ما يُقال عن دعم العسكريين لهم، بالأغلبية البرلمانية.. ولا حَظي بها "ائتلاف قوى التغيير" رغم ديناميكية الانضمام إليه، التي شوهت وجهه أحيانا.. ولا "الحزب الجمهوري" الذي كان حاكما.. والذي قصمت ظهره القوي انشقاقات المستقلين لتجعل منه أثرا بعد عين. وفى هذا الصدد يظل السؤال الملح على أذهاننا، هو: كيف يمكننا المحافظة على مكسب الشفافية السياسية؟.. والشفافية ليست غاية في نفسها، وإنما الوسيلة للوصول إلى هدف العدالة والتنمية المنشود. والوصول لـ "ديمقراطية" سليمة، ناجعة، يحتاج لتمرن: إن ما يطمح له المواطن الموريتاني، كما برهنت عليه طريقة انتخاب برلمانه، هو الشفافية في ممارسة الحكم، وهو نقيض ما تسعى له "نخبة المثقفين والتجار"، وما تحسب من حسابات قصيرة المدى، وتمارس من تشويهات في وجه الديمقراطية الصبوح ( ومن ذلك ظاهرة شراء مستشاري البلديات التي استشرت أخيرا). وفي ظل وضعية التجاذب بين "ناخب" يهفو للتغيير، و"نخبة" تعيدنا للوراء، وأمام رسوخ أقدام التقليديين في "تمريض الديمقراطية" واغتيالها، يكون من الخطير فعلا على مستقبل "الشفافية في ممارسة الحكم" أن ينتخب "رئيس الدولة" الآن: فانتخاب رئيس الدولة، في بلد لا يزال شعار سياسييه "أن يدوروا مع الزجاجة حيث دارت"، سيجعل الجميع يهرول لحضن رئيس الدولة، مما يعيدنا إلى أحادية السلطة وشموليتها، فيُمكّن الرئيس –ذي الصلاحيات الكثيفة- من أغلبية ساحقة، في برلمان لا يحظر على أعضائه الترحال السياسي. فالمخرج إنما هو في حكومة ائتلاف وطني، مسؤولة أمام البرلمان.. ويمكن للبرلمان، الذي لا أغلبية مطلقة فيه، أن يراقبها. وبذات الوقت، ينبغي أن تتعايش هذه الحكومة مع المجلس العسكري ورئيسه، الذي هو رئيس الدولة، وذلك بأن تكون وزارتا الدفاع والخارجية تابعة له، أما باقي الوزارت فتابعة للوزير الأول. وفضلا عما يرسخه ذلك من أركان نظام جمهوري، تتمايز فيه السلطات.. فإن له أثره النفسي الإيجابي، الذي يمنح الناخب ثقة في نفسه، وفي أهمية تصويته.. كما يمنح النائب البرلماني شعورا بأهمية دوره الطلائعي في خدمة الوطن. مما يقطع الطريق أمام المال السياسي الذي يغدقه "التجار" لشراء الناخبين، وأمام الأبهة اللفظية للمثقف الذي يريق ماء وجهه وذرابة لسانه في خدمة هدف "التاجر". ما اقترحه لصون ما تحقق من مكاسب خلال سنة ونصف، هو: أنه ينبغي، بعد أن يتم انتخاب "الشيوخ"، أن يقوم أعضاء الغرفتين، الأولى حظوا بتصويت المواطنين لهم، بالضلوع بالدور المنوط بهم في التشريع والمراقبة. وذلك من خلال الإجراءات التالية:
- تمديد الفترة الانتقالية بعامين إضافيين.
- تقليص صلاحيات رئيس الدولة.
و زيادة صلاحيات الوزير الأول، الذي ينبغي تعيينه من الحزب ذي الأغلبية، على رأس حكومة ائتلاف.
وعلى هذه الحكومة أن تطرح كل الأسئلة الكبيرة.. وتفتح كل الملفات المنسية.. وأن تطبق الحكم الرشيد.. ويتم استبدالها بحكومة تكنوقراطيين، شهورا ثلاثة، قبل الانتخابات الرئاسية.
ومن الناحية القانونية، فإن إجماع الغرفتين (البرلمان. الشيوخ) يجوز بموجبه تغيير الدستور، لتنزّله منزلة استفتاء شعبي.. ولا يكون اجتماعهما إلا بطلب من رئيس الدولة وثلثي الأعضاء. والرئاسة الحالية فيه من حق لأسن.. ومصادقة 51% من الحضور يتم العمل بمقتضاها.
وكم نتمنى لو يُقام بتلك الخطوة، التي ستكون بداية حوار جاد وعميق بين المُنتخَبين، على وسائل الإعلام الرسمية أن تكفل له التغطية المباشرة.
فواقع الحال، أن قنبرة الحكومة الحالية، تبيض وتصفر كما تشاء، لأنها غير مسؤولة أمام البرلمان.. كما أن برامج التنمية قد تراجعت كثيرا لطغيان المشاريع السياسية.. والمشاريع السياسية تُقام من غير رقابة ولا مشاركة.
إذن، فاستعجال نهاية الفترة الانتقالية – رغم أنه ما نتمنى!- من غير أن تطبخ ديمقراطيتنا على نار هادئة، ومن غير أن نضمن، مستقبلا، لممارسة الشفافية في السلطة.
وعدم العودة لأحادية القرار، سيضر حلمنا الديمقراطي أكثر مما يفيده. فديمقراطيتنا الوليدة تحتاج لأن نسير ببطئ، من غير أن نتراجع، فـ"المُدلِج لا أرضا قَطعَ ولا ظهرا أبقى". أتراني أقنعت أم أن عش الزنابير سيثور؟!

هناك تعليق واحد:

  1. ha4ou snadra mejanin.. mahoum 3a9lin 3le 7bel

    dor izabihoum hanevy

    ردحذف