
جعلوا الأغلال في يديك شماتة.. حملوك إلى قضاء يستوحي مرجعياته الفقهية والقانونية من كل منكب مُـرَصـّــع بالنياشين. فكــّــر القضاء (وقليلا ما يفكر)، لكنه هذه المرة فكر على غير عادته. لم يكن العجوز الخرف مختار صار كافيا لأنه بحد ذاته تهمة : والتهمة لا توجه التهمة. بحث القضاءُ في جمجمته عما يمكن أن يوجه إليك من تهم غير "صار". فإذا بجمجمته أربعة أنصاف : نصف فارغ ونصف خائف ونصف طامع ونصف لم يبق فيه من دروس القانون إلا التهم الجاهزة (كذاب، مرتد، يمس من أعراض الناس، يهدد الأمن، يحتقر الأخلاق العامة…). وتجاهل القضاء إحدى أهم التهم؛ فدأبـُـك على كتابة "حروف النار" تغضبه جدا، وهو محق (وقليلا ما كان محقا)؛ لأن "قاض في النار" لا يمكن أن يقبل بكتابة "أحرفه"، فهو لا يملك في "ناره" غير "أحرف" تبذرها أنت يمنة ويسرة في جنونياتك المعروفة.
أيها السجين الثائر، لا جديد بعدك يستحق الذكر غير خطاب تاريخي أبكى الصخور.. كم تمنينا أن تكون حرا طليقا لتــُـــسَـطــّــر عنه، بقلمك السريالي، ما تحَـصّـل لديك من انطباعات؛ فهو بحق درس من نبل السياسة وجدول فياض من الأخلاق والصدق، لكنه أيضا، بل أساسا، كان مرجعا يمكن للظالمين والمظلومين أن يعيدوا قراءته مرات ومرات ليتعلموا فن الإنصاف والمغفرة.
أخي المعتقل، لا جديد يذكر؛ فبعدك فعلا رزقت سيدة غلاما غير محظوظ لأنه ولد مباشرة عندما جف المحيط من نفطه وسمكه، وبعدك بالفعل تمنينا الرفاه والبنين لسَـيـِّــئـيْ حظ تزوجا في عهد دولة أضحت عملتها مجرد ورق لا يصلح إلا لمسح أنوف المزكومين، وفي عهد دولة لم تعد قادرة على دفع مخصصات المتقاعدين.. دولة تتدحرج يوما بعد يوم نحو هاوية الإفلاس والعجز.
بعدك، أيها المعتقل المأسوف عليه، لا جديد يذكر غير أن وسائل الإعلام الرسمية تتمرد على وزيرها الوصي. وقد فرحنا بذلك أيما فرح لأننا رأينا وسائل إعلامنا الرسمي تتمرد لأول مرة في تاريخها. كان أجدى لنا أن تكون طليقا بين ظهرانينا لتـقــَـيـّـم، بريشتك الخلاقة، مضامين تمرد إعلام لم يزل مستكينا خائفا ذليلا طامعا صاغرا حقيرا إلى أن فاجأنا بـ"ثورة !!" تحتاج إلى محللين من أمثالك لسبر أغوار معانيها.
بعدك لا جديد يذكر غير أن "عزيزا" وأربعة من رهطه (خامسهم كلبهم) ترشحوا، وصادق المجلس الدستوري المخيف على ترشحاتهم (بنفس الملفات السابقة وبنفس التوقيعات). فما أشد وقع غيابك على أنفسنا ونحن نقف عاجزين عن استنطاق المرحلة وتداعياتها. أما المعارضة، وأنت من أفنى وقته في تأطير توجهاتها، فهي اليوم شذر مذر : مسعود مرشح ومنصور مرشح وأحمد مترشح. وعلى كل حال "ما في الجبة إلا المعارضة"؛ هذا ما نأمله على الأقل. وحبذا لو أعاروك لنا يوما واحدا كي تتحفنا بعملية تشريح منطقي لأسباب هذا الطلاق (الرجعي طبعا).
لا جديد بعدك، يا قلم الملاحم الكبرى، غير الغبار المنذر بحملة عاصفة تتصارع فيها المصالح والآمال. ونحن من بعدك، رغم جدية فرص التغيير، لا ننتظر إلا الخريف عسى زخات المطر تنسينا دخان قنابل البوليس، وعسى الرعد يسمعنا جلجلة نافعة غير شنشنة ضارة تعودناها من تلفزيون "الإناء المقعر".
ولتعلم أننا ما زلنا - كما عهدتنا- حيارى لا نعرف "كيف تفكر دمية الشيفون"، ولم نجد من "يضع لنا الجنرال وأباطيله على السفود"، ولم نمنعهم من أن "يرقصوا حفاة على الرمضاء"، كما لم نجد من "يضع توقيعا أحمر على خطبة الجمعة".. وفي انتظار رسالة قادمة، لك منا موفور التحايا الموصولة بخالص الود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق